بقلم: أليسار حسن
الصمت والخجل هو الاجراء الذي يقابل به مجتمعنا العربي المرأة التي تعرضت للتحرش الجنسي والذي يوصف بأنه سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو يعطيها إحساسا بعدم الأمان وهذا السلوك يمكن ان يكون نظرة او كلمة أو ايحاءات جنسية وقد يتطور الى فعل مباشر.
ويعد سلوك التحرش الجنسي امراً مداناً في القانون والذي عرفه كونه: سلوك مضايقة، تحرش أو فعل غير مرحب به من النوع الجنسي. يتضمن مجموعة من الأفعال تتصاعد من الانتهاكات البسيطة إلى المضايقات الجادة التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية، وصولا إلى النشاطات الجنسية، ويعتبر التحرش الجنسي فعلا مشينآ بكل المقاييس.
والتحرش الجنسي يعتبر شكل من أشكال التفرقة العنصرية الغير شرعية، وهو شكل من أشكال الإيذاء الجسدي (الجنسي والنفسي) والإستئساد على الغير.
ويعرف المركز المصري لحقوق المرأة التحرش الجنسي بأنه ” كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو يعطيها إحساسا بعدم الأمان”.
ويمكن تقسيم التحرش الجنسي الى عدة أشكال ومنها :
1- التعليقات والكلام الجنسي كالنكات أو الايحاءات الجنسية او الأقوال الجنسية الشائعة الغير مرغوبة اجتماعيا
2- ممارسة جنسية فعلية كالمس او القرص أوالتقبيل أوالمعانقة وقد تصل الى الجماع (الاغتصاب)
وقد تتعرض المرأة للتحرش من رجل أو امرأة على حد سواء وبالحالتين تشعر بنفس السوء والقلق.
يستند التحرش الجنسي الى عدة عوامل ومنها أن تكون المرأة والتي تعرضت للتحرش الجنسي لها مسألة أو اكثر معلقة بيد شخص آخر ويمكن ان يكون مشرفا او مسؤولا أو مديرا في العمل وان تكون المرأة المتحرش بها بحاجة ماسة للعمل. وهذا النوع من التحرش ظاهرة منتشرة كثيراً في مجتمعاتنا التي تروي نسائها قصصاً أليمة ومريرة عن ما مررن به من ظلم رؤساء أو زملاء العمل وأنواع التحرش التي تعرضن لها فقط لاحتياجهن للعمل. وغالباً ما يشكل هذا الأمر للكثير من هؤلاء النسوة صدمة وحاجزاً نفسياً من الاختلاط في المجتمع مرة أخرى.
وظاهرة التحرش الجنسي باتت مفزعة في العديد من الدول العربية ، ولم تعد مجرد أمر شاذ تقوم به قلة منحرفة، وإنما سلوك متزايد من قبل العديد من الشباب العربي المراهق والكبير على السواء تنوعت أسبابه وتشعبت وأصبح أكبر من مجرد انحراف نفسي. وهناك عوامل كثيرة تؤدي الى ذلك، منها عوامل اجتماعية مثل تقليد رفاق السوء وتفكك الأسرة والنزاعات الدائمة بين الوالدين، أو فقدان الأب في الأسرة، أو وجود زوجة للأب تهمل أولاده. وثمة عوامل نفسية تؤدي إلي مشاعر الإحباط واليأس وخيبة الأمل.
ويمكن القول إن المتحرشين يعانون عدم وجود تنشئة سليمة منذ الصغر. والتحرش مستويات ودرجات مثل لمس جسد الأنثى، التصفير والمعاكسات الكلامية، النظرة الفاحصة لجسد المرأة، أو التلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي، والملاحقة والتتبع والمعاكسات الهاتفية. ويجب تحديد عقوبة لكل درجة من درجات التحرش، وان تعرضت المرأة إلى التحرش عليها الإفصاح ومحاولة علاجه إن أمكن. فالسكوت عنه يزيده تفشياً في المجتمع ويؤدي إلى صعوبة علاجه.
وتوضح الدكتورة النفسية ثمينة شاهيم أنه من الصعب أن نعمم الأسباب حول دوافع المتحرشين لقيامهم بهذه الأفعال المرفوضة، ولكن هناك بعض العوامل المشتركة التي بإمكانها أن توضح ماهية تفكير المعتدي أو المتحرش، فبعض المتحرشين لا يرون أن تصرفهم عبارة عن إساءة أو تحرش، وهو تصرف مقبول لديهم وسيستمر طالما أنهم ينجون بفعلتهم كل مرة. وبعضهم قد يكونوا ضحايا تحرش جنسي في ماضيهم، ومنهم من يعاني من مشاكل نفسية صحية كبيرة أو أنهم يعانون من الغضب الشديد الذي يجب أن يعالج وإن لم يعالج سيستمرون بإلقاء غضبهم على الآخرين. كما أن اساءة استخدام القوة تبدو أيضاً عاملاً مشتركاً بالإضافة إلى عدم الشعور والإحساس بضحيتهم والحكم الضعيف.
إحصائيات :
لا توجد في بلداننا العربية إحصائيات حقيقية أو واضحة عن حجم التحرش الجنسي فيها، بينما تشير الإحصائيات في المفوضية الأوربية إلى أنه خلال العام الماضي تعرض نحو 50% من النساء العاملات إلى تحرشات جنسية، وفي دراسات بإسبانيا أن نحو 15% من العاملات تعرضن للتحرش وأن 40% منهم يفكرن بتغيير أماكن عملهن بسبب التحرش.
في العالم العربي :
صرح مدير منظمة العمل العربية إبراهيم قويدر لمركز الأخبار – أمان : بعد أن لاحظت منظمة العمل العربية انتشارا لظاهرة التحرش الجنسي في الوطن العربي بشكل مخيف من خلال ارتفاع حالات شكاوى النساء الإدارية ضد مرؤوسيهن تحت مسميات مختلفة تخفي غالبيتها خلفيات تحرش.
إن غالبية النساء العاملات في عالمنا العربي تعرضن للتحرش الجنسي في العمل سواء كان تحرشا لفظيا أو لمسيا، وأصبح “التحرش الجنسي ” واحداً من كوابيس المرأة العربية العاملة منها والطالبة الجامعية ، يحضر يوميا بحياتها وبشكل مؤذي، برغم القانون الذي يجرمه والذي تم سنه خلال السنوات القليلة الماضية لردع المتحرشين بها وحمايتها من هذا الاعتداء الذي لا يظهر للعيان ، بل تحضره غالبا الضحية والمتهم.
وذكرت السيدة عزة سلميان مدير مركز قضايا المرأة المصرية :أن ظاهرة التحرش الجنسي هي قضية مسكوت عنها في المجتمع العربي بشكل عام نظرا لحساسية هذه القضية، بالإضافة لعدم امتلاكنا ثقافة كيفية مواجهة مثل هذه الأمور
لهذا وتحت وطأة التحرش الجنسي تعاني الكثير من النساء العربيات في صمت مطبق خوفا من الفضيحة في مجتمع لا يرحم، ويجرم المرأة قبل حتى أن ينظر فيما إذا كانت متورطة أو ضحية، ومن لم تخف من الفضيحة فهي تفكر وتمعن التفكير قبل أن تطرق أبواب المحاكم.
وتذكر الدكتور ثمينة شاهيم أن هناك العديد من الآثار الجسدية والنفسية التي تظهر على المرأة التي تعرضت للتحرش الجنسي ومنها الغثيان والصداع وفقدان الشهية والأرق و آلام في المعدة ، ومن الأثار النفسية الاكتئاب والقلق والانسحاب من المجتمع والدوار والارتباك والاحساس بالتشويش والذهول العاطفي ومحاولات الانتحار عند البعض، واسترجاع لحظات التحرش والصور المؤلمة التي تستمر بشكل متقطع واحياناً دائم. وتقول الدكتورة ثمينة أنه ورغم كل هذه الآثار البالغة عند من تعرضت للتحرش الجنسي تختار بعضهن إلى الصمت عن هذه الجريمة النكرة التي ارتكبت بحقها وهذا الأمر يعتمد إلى الخلفية الاجتماعية والثقافية التي جاءت منها المرأة، فقد تختار الصمت خوفاً من العار والإحراج الاجتماعي الذي قد يلحق بها. بينما تصمت بعض النساء من الخوف وبسبب عدم استقلاليتهم المادية، بينما يعاني جزء آخر من النساء الضحايا من صراع داخلي من الصدمة والشعور بالذنب والغضب الذي يشعرون به بعد الصدمة فوراً. وهذه المشاعر جميعا من الصعب فهمها مما يؤخر اتخاذ الخطوة الهامة بإخبار الآخرين والقانون عما حدث. وهنالك بعض النساء غير المثقفات عن الأمر أو اللواتي لا يعرفن ما هي حقوقهن وهذا ما يجعلهن صامتات عن ما حدث لهن مما يؤثر على حاضرهن ومستقبلهن.
ولكن الدكتورة ثمينة تؤكد أن العلاج دائماً موجود، والعلاج يعتمد على شدة وقساوة التحرش الذي تعرضت له المرأة. فالنساء اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي سيساعدهن بشكل كبير التدخل والعلاج النفسي. حيث سيحدد برنامج علاجي نفسي مخصص للمرأة للتعامل مع الأعراض التي تعاني منها ولمساعدتها لاستيعاب ما حدث لها. والدعم العائلي في هذه الحالة مطلوب في أقصى درجاته الممكنة، فإذا قوبلت المرأة التي تعرضت للتحرش من عائلتها بالحكم عليها بشكل سلبي أو تم استبعادها وعزلها سيؤدي هذا إلى حالات نفسية وصحية أسوء مما كانت عليه.
قانون العقوبات الإماراتي الخاص بالتحرش الجنسي:
اتخذت الإمارات العربية المتحدة عدة قرارات بشأن الارتقاء بمستوى إجراءاتها بخصوص حقوق الإنسان فيها. لا يخلو الأمر من بعض التحديات ولكن الحكومة جادة في الاتجاه نحو تغيير بعض الانتهاكات لحقوق الإنسان.
المشرع الإماراتى لم يُعرف معنى التحرش الجنسى صراحة، ولم يتطرق الى اللفظ صراحة، ولكن جاءت بعض النصوص القانونية بتجريم بعض المرادفات للتحرش الجنسى
تنص المادة 358 من قانون العقوبات على:
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر من أتى علنا فعلا فاضحا مخلا بالحياء، ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة من ارتكب فعلا مخلا بالحياء مع أنثى أو صبي لم يتم الخامسة عشرة ولو في غير علانية
والمادة 359 من ذات القانون على:
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو الفعل في طريق عام أو مكان مطروق.
دور الإعلام في معالجة التحرش الجنسي والحد منه:
للإعلام دور هام في مواجهة التحرش الجنسي عن طريق تشكيل وعي الناس، وتوجيه إدراكهم في اتجاهات معينة ورفع وعيهم بمخاطر هذه الظاهرة، وكيفية معالجتها والتعامل معها بشكل عادل. وقد وجه الإعلام العالمي والعربي في السنوات الأخيرة طاقاته لتسليط الضوء على العنف الذي يمارس على المرأة ومنها التحرش وبكافة أساليبه وأشكاله. والتركيز بشكل أكبر على عدم الوعي والجهل الذي يكتنف عقلية الكثير من النساء والمجتمعات بشكل أكبر حول لجؤهن إلى السكوت والتستر عن جريمة التحرش خوفاً من الفضيحة عوضاً عن اللجوء إلى المطالبة بالقصاص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق